الأربعاء، 20 يناير 2016

العثمانيون . فتح إسلامي أم غزو واحتلال أجنبي ؟

قبل أن نعرف الجواب على هذا السؤال يجب أن نعرف حال البلاد العربية قبل ذلك الوقت .
انقسمت الدول العربية إلى كثير من الدويلات الصغيرة والتي قامت على أنقاض الدولة العباسية فكان هناك الأيوبيون والإخشيديون والفاطميون . حتى وصل الأمر إلى أن بعض الممالك لم تكن تتعدى المدينة الواحدة . وقد كان من بين هذه الدول دولة المماليك .
و المماليك هم سلالة من الجنود حكمت مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن وبالتحديد من 1250 م إلى 1517 م . تعود أصولهم إلى آسيا الوسطى قبل أن يستقروا بمصر و التي أسسوا بها دولتين متعاقبتين كانت عاصمتها هي القاهرة:  الأولى دولة المماليك البحرية ومن أبرز سلاطينها عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والناصر محمد بن قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل الذي استعاد عكا وآخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام ، ثم تلتها مباشرة دولة المماليك البرجية بانقلاب عسكري قام به السلطان الشركسي برقوق الذي تصدى فيما بعد لتيمور لنك واستعاد ما احتله التتار في بلاد الشام والعراق ومنها بغداد  فبدأت دولة المماليك البرجية الذين عرف في عهدهم أقصى اتساع لدولة المماليك في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي . وكان من أبرز سلاطينهم برقوق وابنه فرج وإينال والأشرف سيف الدين برسباي فاتح قبرص وقانصوه الغوري وطومان باي .
كانت تسمية المماليك تشير إلى العبيد البيض الذين كانوا فرسانا وجنودا محاربين يؤسرون في الحروب أو أطفالا صغارا يخطفون في غارات لصوصية أو كسبايا في حروب يتم عرضهم على مندوبي الدول والحكومات في أماكن خاصة حيث يتم إفتداؤهم بمبالغ مالية تدفع للمسؤلين عنهم ، ويتم جلبهم إلى الدولة المعنية وهي هنا الدولة الأيوبية ومن قبلها الدولة العباسية ليتم تعليمهم وتدريبهم في مدارس عسكرية خاصة ليتخرجوا منها قادة وفرسانا وجنودا مؤهلين يرفدون الجيش ويمدوه بدماء وخبرات وقدرات جديدة تزيد في قوة الجيش ومنعة الدولة ، وقد استولوا على الحكم في مصر في نهاية حكم الدولة الأيوبية بمصر وضعف وعدم أهلية ملوكها وسلاطينها. قد كانت فكرة الاستعانة بالمماليك في الشرق الأدنى منذ أيام العباسيين. وأول من إستخدمهم كان الخليفة المأمون. ولكن استقدم الخليفة العباسي المعتصم بالله جنود تركمان ووضعهم في الجيش كي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب والفرس التي قامت عليهم الدولة العباسية، ولقد شجع ذلك الخلفاء والحكام الآخرين في جلب المماليك . وقد كان  أحمد بن طولون ( 835-884 م ) يشترى مماليك الديلم ولقد كانوا من جنوب بحر قزوين ووصل عددهم إلي 24 ألف تركى وألف أسود و 7 آلاف مرتزق حر. وقد تم جلب الأسرى من القفقاس وآسيا الصغرى إلى مصر من قبل السلطان الصالح أيوب لذا يكون أصل المماليك من الأتراك والروم والأوروبيين والشراكسة.
 و كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده وتدعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته . كما كان المماليك يبايعون الملوك والأمراء، ثم يدربون تدريبا عسكريا راقيا ويتلقون علوما شرعية وعلوما عامة ويربّون على الطاعة والإخلاص والولاء. 
وعند وفاة الملك الصالح أيوب في المنصورة وكانت الحرب قائمة ضد الفرنج الصليبيون ويقودهم لويس التاسع ملك فرنسا عند غزوهم دمياط وكانوا متجهين إلى القاهرة فجلب المماليك إبنه توران شاه من حصن كيفا كي يقود الحرب ويستلم الحكم ، وبعد انتهاء معركة المنصورة وأسر لويس التاسع سنة 1250م أساء السلطان الجديد التصرف مع المماليك فاغتالوه عند فارسكور بعد ذلك تسلطنت شجر الدر أرملة الصالح أيوب على عرش مصر بمساندة وتأييد المماليك البحرية وبذلك فقد الأيوبيون سيطرتهم على مصر.
لم يرض كلا من الأيوبيين في الشام في دمشق والخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد بانتزاع عرش الأيوبيين في مصر وتنصيب شجر الدر ورفضا الاعتراف بسلطانها فقام الأمراء الأيوبيون بتسليم الكرك للملك المغيث عمر ودمشق للملك الناصر صلاح الدين يوسف الذي قبض على عدة من أمراء مصر في دمشق فرد المماليك بتجديد حلفهم لشجر الدر ونصبوا عز الدين أيبك أتابكا وقبضوا على الأمراء الميالون للناصر يوسف في القاهرة. وبعث المستعصم إلى الأمراء في مصر كتابا يقول: "ان كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجالا " 
إن عدم اعتراف كلا من الخليفة العباسي وكذلك الأيوبيين في دمشق بسلطنة شجر الدر قد أربك المماليك في مصر وأقلقهم فراحوا يفكرون في وسائل توفيقية ترضى الأيوبيين والخليفة العباسي وتمنحهم شرعية لحكم البلاد فقرر المماليك تزويج شجر الدر من أيبك ثم تتنازل له عن العرش فيرضى الخليفة العباسي بجلوس رجل على تخت السلطنة ثم البحث عن رمز أيوبي يشارك أيبك الحكم اسميا فيهدأ خاطر الأيوبيين ويرضوا عن الوضع الجديد.
تزوجت شجر الدر من أيبك وتنازلت له عن العرش بعد أن حكمت مصر ثمانين يوما  بإرادة صلبة وحذق متناهي في ظروف عسكرية وسياسية غاية في التعقيد والخطورة بسبب غزو العدو الصليبي للأراضي المصرية وموت زوجها سلطان البلاد الصالح أيوب بينما الحرب ضد الصليبيين دائرة على الأرض الواقعة بين دمياط والمنصورة. نصب أيبك سلطانا وأتخذ لقب الملك المعز. وفي محاولة لإرضاء الأيوبيين والخليفة العباسي قام المماليك بإحضار طفلا أيوبيا في السادسة من عمره وقيل في نحو العاشرة من عمره  وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى" وأعلن أيبك أنه ليس سوى نائبا للخليفة العباسي وأن مصر لا تزال تابعا للخلافة العباسية كما كانت من قبل. 
إن المماليك في أيامهم الأخيرة طغوا وتجبروا وانتشر الظلم بصورة كبيرة بينهم وتفشى الجهل الديني في هذه الحقبة الأخيرة من حكهم ونتيجة لتفشي الظلم كما ذكرنا فكانت رغبة الناس ورغبة علماء مصر والشام الانضمام إلى الدولة العثمانية فاجتمع العلماء والقضاة والأعيان والأشراف وأهل الرأي مع الشعب وتباحثوا في حالهم ثم قرروا أن يتولى قضاة المذاهب الأربعة والأشراف كتابة عريضة نيابة عن الجميع يخاطبون فيها السلطان العثماني سليم الأول ويقولون أن الشعب السوري ضاق "بالظلم" المملوكي وإن حكام المماليك "يخالفون الشرع الشريف"، وإن السلطان إذا قرر الزحف على السلطنة المملوكية، فإن الشعب سيرحب به، وتعبيراً عن فرحته، سيخرج بجميع فئاته وطوائفه إلى عينتاب -البعيدة عن حلب- ولن يكتفوا بالترحيب به في بلادهم فقط ، ويطلبون من سليم الأول أن يرسل لهم رسولاً من عنده، وزيراً ثقة، يقابلهم سراً ويعطيهم عهد الأمان، حتى تطمئن قلوب الناس. وهذه الوثيقة موجودة في متحف طوپ قپو في استانبول رقم 11634 (26) وترجمة الوثيقة من العثمانية إلى العربية كما يلي :
( يقدم جميع أهل حلب : علماء ووجهاء وأعيان وأشراف وأهالي، بدون استثناء طاعتهم وولاءهم -طواعية- لمولانا السلطان عز نصره وبإذنهم جميعاً، كتبنا هذه الورقة لترسل إلى الحضرة السلطانية العالية. إن جميع أهل حلب، وهم الموالون لكم، يطلبون من حضرة السلطان، عهد الأمان، وإذا تفضلتم بالتصريح فإننا نقبض على الشراكسة، ونسلمهم لكم، أو نطردهم، وجميع أهل حلب مستعدون لمقابلتكم واستقبالكم ، بمجرد أن تضع أقدامكم في أرض عينتاب، خلصنّا أيها السلطان من يد الحكم الشركسي، احمنا أيضاً من يد الكفار، قبل حضور التركمان، وليعلم مولانا السلطان، إن الشريعة الإسلامية ، لا تأخذ مجراها هنا، وهي معطلة، إن المماليك إذا اعجبهم أي شيء ليس لهم، يستولون عليه، سواء كان هذا الشيء مالاً أو نساءً أو عيالاً ، فالرحمة لا تأخذهم بأحد، وكل منهم ظالم، وطلبوا منا رجلاً من ثلاثة بيوت ، فلم نستجب لطلبهم ، فأظهروا لنا العداء ، وتحكموا فينا ، (ونريد) قبل أن يذهب التركمان أن يقدم علينا وزيراً من عندكم أيها السلطان صاحب الدولة ، مفوض بمنح الأمان لنا ولأهلينا ولعيالنا، أرسلوا لنا رجلاً حائزاً على ثقتكم يأتي سراً ويلتقي بنا ويعطينا عهد الأمان، حتى تطمئن قلوب هؤلاء الفقراء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين).
أما علماء وفقهاء مصر فقد ذكر عبدالله بن رضوان في كتابه: تاريخ مصر (مخطوط رقم 4971) بمكتبة بايزيد في استانبول ، إن علماء مصر (وهم نفس الشعب المصري وممثلوه) يلتقون سرّاً بكل سفير عثماني يأتي إلى مصر، ويقصون عليه (شكواهم الشريف) و (يستنهضون عدالة السلطان العثماني) لكي يأتي ويأخذ مصر ويطرد منها الجراكسة المماليك.
نضف إلى هذا أن المماليك أثناء حرب السلطان سليم الأول مع الصفويين الشيعة ، لم يقفوا إلى جانب السلطان سليم صاحب المذهب السني، وفي نفس الوقت لم يلتزموا بالحيادية التامة بين الطرفين أو بأخذ موقف معادي من الدولة العثمانية ، كما كان هناك خلاف في الحدود بين الدولتين في منطقة طرسوس في المنطقة الواقعة بين الطرف الجنوبي الشرقي لآسيا الصغرى وبين شمالي الشام لكل ما تقدم  قام السلطان سليم الأول بغزو بلاد الشام و مصر وانتزعها من المماليك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق